التطوع حياة وروح تتجدد

المقالات >

التطوع حياة وروح تتجدد

Picture of د. عواطف الشهري

د. عواطف الشهري

عندما تبدأ رحلة التطوع في حياتك، في هذه اللحظة تبدأ معها حياة جديدة وبأسلوب خاص يتميز فيها المتطوعين عن بقية أفراد المجتمع بمد يد العون والمساعدة للأخرين، وخاصة المحتاجين، دون مقابل وهذا يعتبر من أسمى وأرقى درجات الإنسانية. وتنشأ هذه الإنسانية والروح التطوعية من الأم والبيت كبداية في القيام بالأعمال الخيرية على مستوى الحي والمدرسة. وقد حث الدين الإسلامي على عمل الخير في مواقع كثيرة من القرآن الكريم حيث قال الله تعالى (وتَعَاونُوا عَلى البِّرِ والتَقوَى). وبما أن التطوع له انعكاس كبير وإيجابي على الأفراد بشكل خاص، وعلى المجتمعات بشكل عام، فقد حث عليه حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم في أحاديثه ومن خلال أعماله في قضاء حاجات الناس ومساعدتهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مُسلم يَغْرِسُ غَرْسًا، أو يَزْرَعُ زَرْعًا، فيأكلَ منه طَير، أو إنسان، أو بَهِيمة، إلا كان له به صدقة». أخرجه البخاري ومسلم والترمذي.

التطوع هو تقديم المساعدة والجهد والوقت من أجل العمل على تحقيق الخير في المجتمع دون مقابل مادي، ويكون ذلك من خلال الشعور بالمسؤولية المجتمعية عند الفرد تجاه الناس والمجتمع، وحُبه للبذل والعطاء. للتطوع آثار رائعة في زيادة الترابط والتماسك الاجتماعي، وتساهم أيضًا في تنمية وتطوير المجتمع، والشعور بالواجب الوطني. عادة يمر التطوع بمراحل عديدة ويظهر جليًا في أوقات الأزمات والحروب، لذلك فإن العديد من الدول تُقدر أهميته ودوره الفعال في تنمية الدولة اجتماعيًا واقتصاديًا. على سبيل المثال نجد أن هناك أكثر من 1 بليون متطوع حول العالم، وتقريبًا حوالي 63 مليون متطوع في أمريكا كل عام، مما ترك أثر اقتصادي يُقارب 200 مليون دولار أمريكي من حيث القيمة للمجتمعات الأمريكية. وهنا تتفاوت أشكال وصور التطوع بغض النظر عن المجال أو الجهة الخيرية، وقد يكون التطوع بشكل رسمي أو غير رسمي، فردي أو جماعي، التطوع الإلكتروني، التطوع الشامل، التطوع قصير الأجل، التطوع الخارجي في الدول النامية، تطوع تنمية المهارات، التطوع القائم على المشاريع، وتطوع حالات الطوارئ وغيرها.

حرصت مملكتنا الحبيبة على تعزيز ثقافة التطوع وتمكين القطاعات غير الربحية. لذلك كان العمل التطوعي أحد برامج التحول الوطني الرئيسية لتحقيق رؤية 2030 وذلك من خلال تحقيق خمسة أهداف أساسية، وهي كالتالي:

  • الوصول إلى مليون متطوع بحلول عام 2030.
  • توفير البيئة الملائمة لتنمية العمل التطوعي في العديد من المجالات وتحفيز أكبر عدد من أفراد المجتمع للتطوع والاشتراك بها.
  • الاهتمام باليوم العالمي للتطوع والحرص على الاحتفال به سنويًا.
  • الاهتمام بالمتطوعين وتشجيعهم.
  • التنوع في الأعمال التطوعية بين العمل الميداني ودعم الجمعيات المرخصة والمنصات الإلكترونية الخاصة بها داخل المملكة.

 

وما زالت تسعى المملكة العربية السعودية بشكل مستمر على تعزيز نزعة الخير في المجتمع وتوطيد العلاقات بين أفراد شعبها والمقيمين بها، حيث قامت بحوكمة التطوع وإدارتها عبر منصات إلكترونية لتوفير مختلف الفرص التطوعية في العديد من المجالات وتمكين الأفراد والجهات من الابتكار والريادة المجتمعية في المجال التطوعي. حيث وفر لنا وطننا الحبيب العديد من الطرق والمنصات الإلكترونية التي تساعد المواطنين والمقيمين على الدخول في العمل التطوعي ومساعدة الاخرين، وقد تمت حوكمتها وإدارتها من قبل الجهات والمؤسسات التطوعية ومنظمات رسمية غير ربحية ومنها:

  • المنصة الوطنية للعمل التطوعي
  • منصة التطوع الصحي
  • مبادرة مسك التطوع
  • الجمعية السعودية للعمل التطوعي تكاتف
  • البوابة السعودية للتطوع الخارجي

 

يتم الاحتفال باليوم العالمي للتطوع في 5 ديسمبر من كل عام، وقد تم تحديد هذا اليوم من قِبل الأمم المتحدة منذ عام 1985 م بهدف تقديم الشكر للمتطوعين على مجهوداتهم طوال العام وزيادة وعي المجتمعات بأهمية التطوع، ومساهمته في حل المشكلات، وأثره الكبير في تنمية المجتمعات وتطورها. وهو يعود بالخير على فاعله والمستهدفين منه وعلى المجتمع بأسره، بالإضافة إلى الأجر والثواب من الله تعالى، فقد قال عز وجل في كتابه الكريم: فَمَن تَطَوّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لّهُ (البقرة 184). ويعد العمل التطوعي في المجال الصحي من أكثر المجالات التي تسعى المنظمات العالمية على تنظيم العمل التطوعي فيها، لما في العمل التطوعي الصحي أو الطبي من أثر بالغ على حياة أفراد المجتمع.

التطوع الصحي له أبعاد إنسانية كبيرة وأثر نفسي عظيم، وأثره مُباشر على المرضى عضويًا ونفسيًا، حيث تنعكس بشكل إيجابي أيضًا على المتطوع الصحي. التطوع في القطاع الصحي عن طريق المستشفيات والمنظمات الصحية المختصة أو أي مؤسسة صحية أخرى، ويشمل العديد من الأنشطة مثل تثقيف المجتمع والتوعية الصحية، تقديم العلاج للمرضى غير القادرين، تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمرضى وخاصة مرضى السرطان، وخصوصًا الأطفال، ورعاية المرضى المسنين، وذلك من خلال قضاء بعض الوقت معهم ورسم الابتسامة على وجوههم. ومن أروع أمثلة التكافل المجتمعي في التطوع الصحي التي حدثت خلال فترة جائحة كورونا حيث كان من ضمن المتطوعين طلاب وطالبات وقد تجاوز عددهم 400 ألف متطوع ومتطوعة من المختصين وغير المختصين في المجال الطبي.

ولقد أثبتت دراسة تمت على 774 طالب وطالبة في مجال الرعاية الصحية عن رغبة حوالي 95٪ منهم في التطوع الصحي خلال الأزمات. أما بالنسبة للجهات الخيرية والمؤسسات غير الربحية التي تسعى إلى تقديم المساعدة في المجال الطبي؛ نجد على سبيل المثال جمعية بادر للأجهزة الطبية بمنطقة مكة المكرمة، وهي جمعية خيرية متخصصة في تقديم خدمات نوعية صحية في مجال الأجهزة الطبية للمرضى المحتاجين أو ذوي الدخل المحدود. تشمل الخدمات التي تقدمها جمعية بادر توفير الأطراف الصناعية لمن هم في حاجة لها، وتستقبل التبرعات بالأجهزة والمستلزمات الطبية غير المستغلة، سواء لدى الأفراد أو الجهات، ومن ثم تقديمها لمُستحقيها ممن في حاجة إلى استخدامها. وأيضًا تقوم بعرض حالات إنسانية لمن هم بحاجة إلى دعم وعناية طبية، مما يساهم في إحياء روح التكافل والتعاون بين شرائح المجتمع. في اعتقادي أن هناك فرص كبيرة جدًا في مجال التطوع الصحي وإمكانيات كبيرة لخلق وتطوير برامج إبداعية للتطوع. 

 

للعمل التطوعي فوائد عديدة على الصعيد الشخصي والمجتمعي والاقتصادي للدولة ومنها:

  • اكتساب مهارات جديدة والتعلم من الآخرين من خلال التفاعل مع عدد كبير من الأشخاص ذوي الثقافات والأفكار المختلفة.
  • اكتساب خبرات عملية، واستكشاف طرق لتحويل شغفك بمساعدة الناس إلى حياة مهنية ناجحة. لذلك عندما تريد مساعدة الاخرين في العمل التطوعي فإنك تختار المجال الذي تستمتع بالعمل فيه ويكسبك الخبرة المهنية.
  • المساعدة على التخلي عن بعض العادات غير المفيدة.
  • استثمار الوقت والانشغال بالعمل الذي يضفي على النفس شعورًا داخليًا بالرضا والتجدد.
  • تحسين الحالة الصحية والنفسية من خلال تقوية الثقة بالنفس وروح المبادرة في عمل الخير.
  • الشعور الداخلي بالسعادة والفخر عند تقديم العون والمساعدة للآخرين.
  • تحقيق الذات وتقدير قيمة الحياة.
  • تعزيز التكافل الاجتماعي والاقتصادي.
  • المساهمة في توسيع دائرة العلاقات الاجتماعية.
  • العمل الجماعي ضمن مجموعات وبروح الفريق الواحد.
  • استثمار وتنمية الكوادر البشرية.
  • زيادة الإنتاجية وبتكلفة أقل.

 

إن العمل التطوعي الذي نطمح إليه جميعًا يقوم على البحث والابتكار في ريادة المجالات التطوعية، وتطوير برامجها، وتنمية البيئة التطوعية لمواجهة التحديات، وحل المشكلات في جميع المجالات وخاصة القطاع الصحي. هنا نرتقي ونسمو وتتجدد أرواحنا، ومع كُل خير تقوم به؛ تذكر أن فعل الخير وديعة!

 

المراجع

  1. Pfeffer, Jeffrey D.; Singer, Sara Ph.D.; Stepanek, Martin PhD. Volunteering Improves Employee Health and Organizational Outcomes Through Bonding With Coworkers and Enhanced Identification With Employers. Journal of Occupational and Environmental Medicine: May 2022 – Volume 64 – Issue 5 – p 370-376.
  2. l Assaf, W., Al Khoudairy, R., Al Awad, S., Alqahtani, J., AlAhmari, R., Al Harbi, M., & Al Shehri, R. (2022). Willingness of Saudi Health-care Students to Volunteer during Disasters: A Multicenter Study [Original Article]. Journal of Nature and Science of Medicine, 5(1), 11-16. https://doi.org/10.4103/jnsm.jnsm_9_21
  3. https://volunteer.srca.org.sa/#!/ar/home
  4. جمعية بادر للأجهزة الطبية https://www.badermedical.org.sa
  5. https://teamstage.io/volunteering-statistics/

موقعنا يستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك أثناء التصفح